الحمد لله الذي خلق لنا من الجوراح ما نعبده بها ونشكره، نحمده سبحانه ونثني عليه، ومن هذه الجوارح التي خلقها الله لنا
اللسان، فهو أعظمها أثرا، وأشدها خطرا، فإن استعمل فيما
يرضيه جلب الحسنات، وأن استعمل فيما يسخطه جلب السيئات، فبكلمة واحدة يقولها العبد يرضى الله بها عنه إلى يوم يلقاه، وبكلمةٍ واحدةٍ يقولها العبد
يسخط الله بها عليه إلى يوم يلقاه، وأعظم البلاء على الإنسان في الدنيا فرجه ولسانه، فمن وقي شرهما فقد وقي أعظم الشر، فينبغي
للعاقل أن يحفظ لسانه أكثر من حفظه لموضع قدمه، وكان بعض السلف يحفظ كلامه من الجمعة إلى الجمعة.
الغيبة
وللسان له آفات كثيرة ومنها الغيبة، وقد ضبطها النبي صلى الله عليه وسلم بذلك الضابط الجامع المانع
المحكم وهو قوله : ((ذكرُك أخاك بما يكْرهُ)) مسلم (2589).
فإذا ذكرته بشيءٍ فيه عيب له تصريحاً أو تلميحاً أو إشارةً، سواء كان ذلك في بدنه أو دينه أو دنياه، أو نفسه أو
خلقه أو خُلقه أو ماله، أو ولده أو زوجته أو خادمه أو ثوبه، أو حركته أو طلاقته، أو عبوسته،أو مهنته ونحو ذلك، سواءً كان لفظاً أو إشارةً أو رمزاً
فإنها غيبة.
قالت عائشة رضي الله عنها: قلت للنبي صلّى الله عليه وسلّم: ( حَسْبُكَ مِنْ صَفِيَّةَ كَذَا وَكَذَا – وأشارت يَعْنِي قَصِيرَةً يكفيك من عيبها أنها
كذلك،وهذا مما يكون بين الضرائر - فَقَالَ: ((لَقَدْ قُلْتِ كَلِمَةً لَوْ مُزِجَتْ بِمَاءِ الْبَحْرِ لَمَزَجَتْهُ))
) أبو داود (4875) وصححه الألباني.
فكل ما أفهم الغير من عيبٍ عن مسلم فهو غيبة، سواءً كان تعريضاً أو تصريحاً ويدخل في ذلك قول فلان الله
المستعان، وفلان نسأل الله العافية، وفلان الله لا يبلانا، ونحو ذلك فكل ذلك من الغيبة، ويكون قد جمع بهذه الكلمات بين أمرين، غيبته لأخيه المسلم
ومدحه لنفسه، يعني أنه ليس كذلك، وقد تكون الغيبة في جسمه كأن يقول أعمى أو أعور أو أسود أو بدين ونحو ذلك، وقد تكون في نسبه كأن يقال :
هذا فلان من بلد كذا على وجه التحقير أو أصله كذا ونحو ذلك، أو لا أصل له ولا نسب على وجه الاحتقار، وكذلك بسبب المهنة أو أن يذكره بمهنةٍ على
وجه التنقص والازدراء مما يعتبر عند الناس وضيعاً، وقد يكون بخلقٍ أو بأمرٍ دنيويٍ، كأن يقول فلان دمه ثقيل، أو بمظهرٍ، كأن يقول فلان رث الهيئة
ونحو ذلك، فكل ما أفهمت به غيرك نقصاً في مسلم فهو غيبة، وبعضهم إذا وعِظ قال : أني مستعد أن أقول هذا الكلام في وجهه، فإذا قال عن شخصاً
مثلاً هو غبي، فوعِظ فذهب اليه فقال له في وجه أنت غبي، فإن الغيبة لا زالت غيبة، ويكون قد أضاف إليها إثماً آخر وهو السب والشتم فجمع إلى ذكر
أخيه بغيبته أثم الغيبة، وبقوله في وجهه أثم السب والشتيمة.
والغيبة آفة خطيرة من آفات اللسان، وهي من أقبح القبائح وأكثرها انتشاراً بين الناس، وقد بغّض إلينا ربنا هذا فقال :
{وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ } (الحجرات: من
الآية12). تكرهون أن تأكلوا لحوم إخوانكم الموتى فلا تغتابوهم، كما تكرهون هذا فاكروه الغيبة.
" فضرب المثل بأكل اللحم, لأن اللحم ستر على العظم, والشاتم لأخيه كأنه يقشر ويكشف ما عليه " روح المعاني (26/158).
وكثيرمن المسلمين يتورعون عن تناول بعض اللحوم خشية أو شكاً في مصدرها، ولكنهم لا يتورعون عن
الولوغ في لحوم إخوانهم المسلمين، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم لما عُرج به أنه رأى أقواماً
(( لَهُمْ أَظْفَارٌ مِنْ نُحَاسٍ يَخْمُشُونَ وُجُوهَهُمْ وَصُدُورَهُمْ )) من هؤلاء ؟ قال : (( الذين يغتابون الناس))
سنن أبي داود (4878) وصححه الألباني.
تتقطع الأواصر الأخوية بسبب الغيبة، وتفسد المودة، وتبذر العداوة وتنشر المعايب ولا سيما إذا كان في شخصٍ
قدوةٍ بين الناس، أو مما يد عو إلى الخير، وكثير من هؤلاء المنافقين أصحاب الأقلام المشبوهة من اللمّازين والهمّازين والغمّازين الذين يريدون تشويه
صورة أهل الدين وإسقاطهم من أعين الناس وأنظارهم، يسعون في كثير من ذلك تبت أيديهم وتباً لهم ما كتبوا وما كسبوا، والمغتاب
يخسر من حسناته بإعطائها إلى من يغتابه رغماً عنه، ولما بلغ الحسن البصري رحمه الله أن رجلاً اغتابه، أهدى له طبقًا من رطب.
" وغيبة المسلم من شعار المنافق ". عون المعبود (13/224).
ولذلك قال عليه الصلاة والسلام : ((يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمانُ قلبَهُ لا تغتابوا المسلمين ولا تتَّبعوا
عوراتهم؛ فإنه من اتّبعَ عوراتِهم يتّبع اللهُ عورتَهُ، ومن يتبع الله عورته، يفضحهُ في بيته)). أبو داود 4/270 وأحمد 4/421،
424 وانظر صحيح الجامع للألباني (3549).
فهذه الغيبه والاستطالة في أعراض المسلمين من أعظم الربا وكان بعض العلماء كعبد الرحمن بن مهدي يرى بأن الغيبة تنقض الوضوء، وينبغي لمن
سمع غيبة مسلم أن يردها وأن يزجره وأن يعضه وأن ينهاه وأن يدافع عن أخيه المسلم الذي اغتيب، فإلم ينزجر المتكلم فارق المجلس، ويحرم سماع
الغيبه وفحش القول كما ذكر أهل العلم، وقد رغب النبي صلى الله عليه وسلم في هذا وحث عليه، فقال : ((من رد
عن عرض أخيه رد الله عن وجهه النار يوم القيامة)) . أخرجه أحمد 6/450 والترمذي 4/327 وصححه الألباني.
ودُعي إبراهيم بن أدهم إلى وليمة، فحضر، فذكروا رجلا لم يأتهم، فقالوا: إنه ثقيل!
فقال إبراهيم: أنا فعلت هذا بنفسي، أجبت أناساً يغتابون إلى دعوةً أنا فعلت هذا بنفسي، حيث حضرت موضعا يغتاب فيه الناس، فخرج ولم يأكل..
وسمعَكَ صُنْ عن سماعِ القبيحِ
كصونِ اللسانِ عن النطقِ بهْ
فإنك عند سماعِ القبيحِ
شريكٌ لقائلهِ فانتبه
وكانت بعض النسوة في مجلسٍ يأتيها من جاراتها وصاحباتها من تفعل ذلك، فوضعت في صدر مجلسها لوحة عليها
قول الله تعالى : { وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً }
وكم من ساكتٍ عن غيبة المسلمين عند فرح قلبه وهو آثم من ثلاثة أوجه:
أولاً : فرحه بوجود هذه المعصية.
وثانياً : سروره بثلب وعيب إخوانه المسلمين.
الثالث: سكوته وعدم إنكاره للغيبة. تلبيس إبليس.
وعلاج الغيبة تقوى الله، والانشغال بعيوب النفس وتدبرها، ومجاهدة نوازع الشر،
قال بن وهب - رحمه الله - : نذرنت كل ما اغتبت إنسانا أن أصوم يوما فأجهدني فكنت أغتاب وأصوم،
فنويت أني كلما اغتبت إنسانا أن أتصدق بدرهم فمن حب الدراهم تركت الغيبة .
فهل تحريم الغيبة مطلق ؟ الجواب : فيه استثناءات ولا شك للمصالح الشرعية، فتباح
عند كل غرضٍ صحيحٍ شرعاً عندما لا يمكن الوصول إليه إلا بها،
أولاً : التظلم، فيجوز للمظلوم أن يتظلم إلى القاضي أو صاحب الولاية والسلطة فيذكر ما في من ظلمه من الظلم
أو الخيانة ونحو ذلك لأخذ حقه، وفيه هذا قول الله تعالى : {لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ
الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ }(النساء: من الآية148).
ثانياً : الاستعانة على تغيير المنكر، بذكره لمن يغيره كأهل الحسبة بما فعل فلان من المعاصي
أو الموبقات ونشر الفساد ونحو ذلك من أنواع المنكرات بين المسلمين، وهذا لا يذكره إلا لصاحب الشأن الذي يغيره .
ثالثاً : الاستفتاء فإذا احتاج أن يقول للمستفتي : ظلمني أبي بكذا فماذا أفعل ونحو ذلك فهذا
جائز للحاجة، وكمن تخبر المفتي عن زوجها في أمرٍ شرعيٍ لا بد لها من سؤاله عنه، وقالت هند لرسول الله صلى الله عليه وسلم : (إن أبا سفيان
رجل شحيح فهل علي جناح أن آخذ من ماله سراً)؟
قال: ((خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف)). البخاري 3/36.
رابعاً :تحذير المسلمين من الشر، وذلك من وجوه، منها : بيان حال الرواة من المجروحين حتى يحذر من
روايتهم، إنه الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال الشوكاني:" بيانُ كذب الكذابين من أعظم النصيحة الواجبة لله ولرسوله ولجميع المسلمين".
ومنها : الإخبار بالعيب عند المشاورة، وقد شاورك واستنصحك فلا بد أن تنصح له فيما لا بد له
أن يعرفه، وإلا فإنه قد يقدم على تزويج فلان ثم يتورط، أو الدخول شريكاً مع فلان ثم يتعثر، ومنها : أنك إذا رأيت من يشتري شيئاً معيباً أن تبين له
العيب أو الغش الذي في هذا، ولو كان يعود على البائع بذم، فإنك تقصد النصيحة ولا ذم البائع، ومنها : أنك إذا
رأيت شخصاً يتردد إلى مبتدعٍ أو فاسقٍ فإنك تحذره منه، وإذا رأيت أخاك مثلاً يتردد إلى قرين سوءٍ فإنك تحذره منه ولا يعد ذلك غيبة،
ومنها : شكوى مسؤولٍ إلى مسؤوله ومن هو أعلى منه في بيان ظلمه للناس وليست القضية
طعناً شخصياً أو عدواة وأن تحاك مؤامرة لعزل أو إبعاد إنسان صالح،
ومما يسقط الحرمة في الغيبة أن يكون مجاهراً بالمعصية،كالمجاهر بالرشوة أو الخمر أو الزنا ونحو
ذلك، فهؤلاء ليس لهم حرمة، فقد أسقطوا حرمتهم بمجاهرتهم، ولذلك قال العلماء ليست لفاسقٍ - يعني مجاهرٍ غيبة -
ولكن لا يجوز أن يذكر بغير ما جاهر به،
سادساً : التعريف، كقول أهل الحديث : الأعمش، والأعرج، ونحو ذلك لأنه قد غلب اللقب عليه فلا
سبيل إلى تمييزه عن غيره إلا به، وللا بد أن يفرغ قلب المتكلم من التنقص عندما يصفه بذلك، ولو أمكن التعريف بغيره فهو أولى.
ومن الأمور المهمة أن يخلو قصد المتكلم من التشفي والانتقام الشخصي، وأن يكون الغرض من الكلام الانتقام الشخصي والتشفي مُلبّساً بلباس النصيحة،
وهذا التلبيس يجيده إبليس ويوقع فيه كثيراً من الناس، ولذلك فإنه لا بد من ضبط المصلحة العامة للمسلمين، وضبط قضية النصيحة والمشورة وضبط
المصلحة ونحو ذلك لئلا يتوسع فيه، فتقال الغيبة تشفياً أو انتقاماً بلباس النصيحة.
---------------------------------------------------
---------
النميمة
ومن آفات اللسان العظيمة النميمة، وهي نقل كلام الناس بعضهم إلى بعض بقصد الإفساد بينهم، وضابطها
كشف ما يكره كشفه سواء كان بالقول أو الفعل حتى لو رأى شخصاً يُخفي ماله فأفشى سره فإنها نميمة،
وهي أشد من الغيبة من وجوه، فتقطع الأرحام وتحول بين الإنسان
وزوجه، وتفرق بين الأُسر وتشتت ما بين القبائل، وقد توقع الحروب الكبيرة العامة، والنميمة من أخبث وسائل الشيطان للتفريق بين الناس، والنمّام قد
رضي لنفسه أن يقوم بمهنة الشيطان، قال عليه الصلاة والسلام قبيل وفاته (( أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ
الْمُصَلُّونَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ)) مسلم (2812).
فهذا التحريش هو الذي طمع به إبليس بعد ما رأى استقرار الأمور واستتبابها للنبي صلى الله عليه وسلم في جزيرة العرب، فلم يبقى له إلا التحريش،
فالذي ينمي وينم، يقوم بوظيفة الشيطان، فكم جرّت النميمة من شرورٍ عظمى، وكم فرقت بين الناس وأفسدت من علاقات، وهي كبيرة من كبائر الذنوب،
أجمعت الأمة على تحريم النميمة، وقال تعالى : { وَلاَ تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَّهِينٍ* هَمَّازٍ مَّشَّاءٍ بِنَمِيمٍ }
(القلم:10-11).
وقال سبحانه : {وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ}(الهمزة:1).
وقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: ((لا يَدْخُلُ الجنَّةَ نَمَّام)) مسلم.
وقال أيضاً: ((لا يدخل الجنة قتات)) . البخاري 7/76 ومسلم 1/101 ، والقتات هو
النمام. النووي.
والنمام الذي يحضر فيرى ويسمع ثم ينقل، والقتات الذي يتجسس عليك من حيث لا تشعر ثم ينقل.
قال عليه الصلاة والسلام: ((شِرَارُ عِبَادِ اللَّهِ : الْمَشَّاءُونَ بِالنَّمِيمَةِ, الْمُفَرِّقُونَ بَيْنَ الْأَحِبَّةِ, الْبَاغُونَ الْبُرَآءَ
الْعَنَتَ)). أحمد (17537), وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه, رقم: (639).
والمشي بالنميمة موجب لعذاب القبر، وأي عبارة تنقل للتفريق بين اثنين، أو جعل أحدهما يكره الآخر،
ولعن الله من خبب امرأةً على زوجها، وأفسدها عليه، ومنهم هؤلاء الذين يتصلون بالنساء من الرجال الأجانب فيعدها ويمنيها وما يعدها إلا غرورا، ثم
يريد أن يفرق بينها وبين زوجها لكي يتزوجها هو ويعدها بأنه سيكون معها أحسن حالاً، ورومنسياً وعاطيفاً، كذاب أشر، وغاية من يصل إلى مراده من
هؤلاء في كثير من الأحيان أن تنقلب العلاقة بعدها .
النمام ناقل لأخبار السوء، وصفه الله بالفسق ورد شهادته، {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} (
الحجرات: من الآية6).
والنميمة من أنواع السحر لأن المشتَرك بينها وبين السحر التفريق، {فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ}
(البقرة: من الآية102).
يفسد النمام والكذاب في ساعة ما لا يفسد الساحر في سنة، ولذلك قالوا أن النميمة أعظم
السحر، وقد أوردها الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ضمن أنواع السحر في كتاب التوحيد، قال حماد بن
سلمة: باع رجل غلاماً، فقال للمشتري: ليس فيه عيب إلا أنه نمام، فاستَخَفَّه المشتري فاشتراه، فمكث الغلام عنده أياماً، ثم قال لزوجة مولاه: إن
زوجك لا يحبك وهو يريد أن يتسرى عليك، أفتريدين أن يعطف عليك [يحبك]؟ قالت: نعم.
قال لها: خذي الموسى واحلقي شعرات من باطن لحيته إذا نام.
ثم جاء إلى الزوج وقال: إن امرأتك تخادنت [اتخذت خليلا] وهي قاتلتك، أتريد أن يتبين لك ذلك ؟
قال نعم. قال: فتناوم لها.
فتناوم الرجل، فجاءت امرأته بموسى لتحلق الشعرات فظن الزوج أنها تريد قتله، فأخذ الموسى فقتلها، فجاء أولياؤها فقتلوه، وجاء أولياء الرجل ووقع
القتال بين الطرفين".الكبائر" للذهبي صـ 156. تنبيه الغافلين. المحاسن والمساوئ (1/243).
كم قامت من حروب بسبب النميمة، وكلما عظم خطرها واشتدت كبر إثمها وعظم جرمها، ولذلك فهي بين الأقارب وذوي الرحم والأصحاب والجيران أشد
مما بين البعداء .
وَاخْشَ النَّمِيمَة َ، وَاعْلَمْ أَنَّ قَائِلَهَا
يُصليكَ منْ حرهاَ ناراً بلاَ شُعَلِ
كمْ فريةٍ صدعتْ أركانَ مملكة ٍ
وَمَزَّقَتْ شَمْلَ وُدٍّ غَيْرِ مُنْفَصِلِ
قال ابن عباس رضي الله عنهما: الكذب ذل، والنميمة لؤم، فمن كذب فجر، ومن نم سحر.
أخبار الدولة العباسية (1/114).
ومما يدخل في هذا : ذو الوجهيـن، الذي قال فيه عليه الصلاة والسلام: ((شر الناس .. الذي يأتي هؤلاء
بوجه وهؤلاء بوجه)). متفق عليه.
وقال : ((من كان له وجهان في الدنيا كان له يوم القيامة لسانان من نار)). أبو داود
(6372) وصححه الألباني.
فهذه الأحاديث الصحيحة تبين الخطر وأن حال هذا حال المنافق، يأتي كل طائفةٍ بما يرضيها،
من نمَّ في الناسِ لم تٌؤمن عقاربُه
على الصديق ولم تؤمن أفاعيْهِ
كالسيلِ بالليلِ لا يدري به أحدٌ
مِنْ أينَ جاءَ ولا من أين يأيته
الويلُ للعهدِ منه كيف ينقضُه ؟
والويلُ للودِّ منه كيف يُفنيهِ ؟
وينبغي من حملت اليه نميمة أن يقول لقائلها : اتق الله، وأن يعظه وأن لا يصدقه والدليل قول الله تعالى : {
وَلاَ تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَّهِينٍ* هَمَّازٍ مَّشَّاءٍ بِنَمِيمٍ } (القلم:10-11).
فلا تجوز طاعته، ولأن النمام لا يكون صادقاً أبداً.
وروي أن سليمان بن عبد الملك قال لرجل: بلغني أنك وقعت فيَّ، وقلت كذا وكذا.
فقال الرجل: ما فعلت. فقال سليمان: إن الذي أخبرني لصادق- هو ثقة عندي -.
فقال الرجل: لا يكون النمام صادقاً.
فقال سليمان: صدقت، امضي بسلام
فعليه أن يعظه، وأن يبغض فعله إليه، وألا يظن الذي يسمع النميمة وتنقل إليه بأخيه شراً أو سوءً فإن هذا مظن السوء، وأن لا يحمله ما يأتيه النمام به
على التجسس، وألا يحكي نميمته عنه فيصير هو نمام أيضاً.
دخل رجلٌ على عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وذَكَرَ عنده رَجُلاً فقَال لَهُ عُمَرُ: إِنْ شِئْتَ نَظَرْنَا فِي أَمْرِكَ ،
فَإِنْ كُنْتَ كَاذِبًا فَأَنْتَ مِنْ أَهْل هَذِهِ الآْيَةِ : {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا }. وَإِنْ كُنْتَ صَادِقًا
فَأَنْتَ مِنْ أَهْل الآْيَةِ :{هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ} .
وَإِنْ شِئْتَ عَفْوَنَا عَنْكَ ؟
اسكت وامض وتب ونسكت، فَقَال الرَّجُل : الْعَفْوَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لاَ أَعُودُ إِلَيْهِ أَبَدًا.
وروي أن بعض السلف زار أخا له وذكر له عن بعض إخوانه شيئا يكرهه، فقال له: يا أخي أطلت الغيبة، وأتيتني
بثلاث جنايات: بغضت إلي أخي، وشغلت قلبي بسببه، واتهمت نفسك الأمينة. الكبائر (1/160).
فإن قيل هل هناك مواطن تباح فيها النميمة كالمواطن التي تبيح فيها الغيبة فالجواب : نعم،
كمن إذا سمع إنسان شخصاً يتحدث بإرادة فلان بالسوء أو أنه يخطط بمكرٍ أو شرٍ، أو افسادٍ
في الأرض أو ظلم وعدوان، فيجب أن ينقل خبره ليكف شرّه، وتباح النميمة بإخبار أهل الحسبة وأهل السلطان بأعمال المفسدين وأهل الريب، وأهل
الفجور والفساد والمخدرات وتهريب الضارات ونحو ذلك، فهذا إذا دعت إليه الحاجة فلا يكون نميمةً شرعاً لأن المقصود حفظ أمن المسلمين، وعقيدة
المسلمين، ودين المسلمين، وأخلاق المسلمين، وأرواح المسلمين، فالمصلحة فيه عامة للمسلمين، والمصلحة فيه شرعية، وليس المقصود أن يوقع شراً
بفلان، أو يبطش بفلان، أو ينقل كلاماً عن فلان للإيقاع فيه أو عزله من منصبه، أو إزالة نعمة هو بها مستمتع متعه الله، ونحو ذلك من أغراض النمامين
الخبثاء، فإذا كان الغرض مصلحة المسلمين، وهي متمحضة وواضحة وحقيقية وليست وهمية، ولا ألبست لباساً وهي نميمة في الحقيقة، فإنه عندما
تتمحض المصلحة يكون بذلك الإخبار، ومن هذه الحالات الحرب مع الكفار والحرب خدعة، وكما قام ذلك الصحابي بالتخذيل بين الأحزاب، فمشى عند
هؤلاء يقول لهم : أولئك يريدون أن يدعوكم لمحمدٍ صلى الله عليه وسلم، ويقول لأولئك : هؤلاء يريدون أن يتركوكم لمحمدٍ صلى الله عليه وسلم،
فسعى في تشتيت شمل الأحزاب، ومشى بالنميمة بينهم، وبين المشركين وبني قريظة، حتى تناكرت نفوسهم وتفرقوا عن المدينة، وهكذا .
---------------------------------------------------
---------
الخميس أغسطس 24, 2017 7:26 am من طرف بدويه
» اية رأيكم لو نأخذ بعض الدروس من الاطفال !!!
الخميس أغسطس 24, 2017 7:20 am من طرف بدويه
» مرة أخرى: لا تستهينوا بأعراض المسلمين
الخميس أغسطس 24, 2017 7:19 am من طرف بدويه
» اجر الصابرين فى الدنيا والاخره
الخميس أغسطس 24, 2017 7:18 am من طرف بدويه
» ذُنوْبٌ وَمَعْآصِي أثقَلتْ وَاللهِ ظَهري ْ ~
الخميس أغسطس 24, 2017 7:16 am من طرف بدويه
» كل مالدي سيكتب هنا
الخميس مارس 30, 2017 7:14 am من طرف ساكن القلب
» اتحداك توصل لـ 20 ولا احد يقطع عليك متجدد >5<
الأربعاء يناير 06, 2016 6:50 am من طرف ساكن القلب
» جامعة المدينة العالمية [MEDIU]
الخميس يوليو 23, 2015 3:49 pm من طرف abomaryam6
» جامعة المدينة العالمية [MEDIU]
الخميس يوليو 23, 2015 3:48 pm من طرف abomaryam6
» جامعة المدينة العالمية [MEDIU]
الخميس يوليو 23, 2015 3:47 pm من طرف abomaryam6
» جامعة المدينة العالمية [MEDIU]
الخميس يوليو 23, 2015 3:46 pm من طرف abomaryam6