د. عائض القرني
بسم الله الرحمن الرحيم
أقبل رمضان، شهرالرحمة والغفران، والعفو والرضوان، وسوف ندعو الله جميعا
في كل ليلة بالدعاءالثابت: «اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعفُ عنا»،
ولكن الكثير منا لا يعفو عنإخوانه، فهو يريد العفو من الله ولكنه لا
يستطيع أن يصدر عفوا عمن أساء إليه، واللهيعفو عنا وهو الذي خلقنا ورزقنا
وأعطانا وكفانا وشفانا وعافانا، بينما نحن لا نعفوعن البشر ولم نخلقهم ولم
نرزقهم ولم نطعمهم من جوع ولم نؤمنهم من خوف. كيف نريدالمسامحة من رب
العباد ونحن لم نسامح عباده؟ بل تجد عندنا تحفظات على أخطائهموملفات
لزلاتهم، وذاكرة لا تنسى أغلاطهم، والغالب
علينا نحن البشر أننانحفظ الإساءة وننسى الإحسان، فهل آن لنا في شهر رمضان
ونحن نقف في المساجد باكينخاشعين، نطلب من ربنا أن يعتق رقابنا من النار
ولكننا لم نعتق رقاب الناس من تربصناوتهديدنا ووعيدنا، إذا لم نصدر عفوا
عاما عن عباد الله ونعفيهم من القصاص والانتقاموالتربص، أفلا نخجل من
حالنا ونحن نمد أيدينا إلى ربنا ونقول: «ربنا إننا ظلمناأنفسنا وإن لم
تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين»؟ إن من أراد العفو من الله فلابد أن
يهيئ أسباب القبول، فيغسل قلبه من الحسد والحقد والكراهية والبغضاء
والشحناء،كيف نأتي إلى المساجد في رمضان بتلك القلوب الممتلئة غيظا وبغضا
وكراهية لعبادالله؟ إن تنظيف وتطييب ظواهرنا باللباس والعطور
لا يكفي إذا كان تحت هذاالظاهر باطل مشوّه قبيح من الغل الدفين والحسد
القاتل والبغضاء المتقيحة، ففيالحديث الصحيح: «إن الله لا ينظر إلى صوركم
وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكموأعمالكم»، ماذا ينفعنا لباس فاخر ومظهر
خادع، ومراكب فخمة، ومجالس بهية، وموائدشهية، ولكن القلوب التي هي محط نظر
علام الغيوب، قلوب مريضة مجروحة مليئة بوباءالقطيعة والكبر والعُجب
والحسد؟ إن التدين ليس مظاهر وطقوسا، ولكنه حقائق ومقاصدوأسرار مع التمسك
بالسنة ظاهرا وباطنا. عرفنا أناسا قلوبهم كقلوب الطير رقة ورحمةولينا
وحنانا، يحبهم الله، يحبهم البشر، تحبهم السماء، تحبهم الأرض، فهم في أمن
وفيسلامة والناس منهم في راحة وعافية، وعرفنا أناسا غلاظ شدادا عذبوا
أنفسهم وعذبوا منحولهم شراسة وقسوة وجفاء وسوء خُلق، فهم في عذاب دائم من
نفوسهم المريضة، والناسمنهم في مشقة، وهم نكال على آبائهم وأبنائهم
وزوجاتهم وأصدقائهم، ضاقوا بأنفسهموضاقوا بالناس، فضاقت بهم الدنيا.
فمن عفا عن عباد الله وسامحهم ورحمهموغفر لهم، عفا الله عنه وسامحه ورحمه
وغفر له، ومن ضيّق عليهم وشق عليهم وعذّبهم،شق الله عليه وضيّق الله عليه
وعذّبه الله. ينبغي أن نأتي رمضان بقلوب صافية سليمةمحبة للخير والأمن
والسلام والعفو، ولا نأتي رمضان بقلوب متسخة بالضغينة والغشوالكره
والنفاق، إننا نغسل أجسامنا بمبالغة شديدة إلى درجة الوسوسة، ولكن
الكثيرمنا يغفل عن غسل قلبه الذي مر عليه عشرات السنوات وهو ملطخ بذنوب
كالجبال منالاستكبار
والعتو والتعالي والخيلاء والبغي والمكر والغدر والفجور، (ثُمَّقَسَتْ
قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ
أَشَدُّقَسْوَة). إن التدين ليس صورا باهتة وحركات وإشارات، لكنه مضامين
عظيمة، وقلوبواعية، وضمائر حية، وبصائر مستنيرة، وأخلاق مجيدة، وقيم
عالية، وسوف نسمع في رمضانفي كل مسجد طلب العفو من الله، وهو أمر شرعي
ومحبب، ولكن إذا أردنا إجابة السؤالوتلبية الطلب فلنبدأ من الآن بالتصالح
مع أنفسنا ومع الناس، والتسامح مع البشر،والعفو عن عباد الله، وإعطاء
الناس الآمان من أذيتنا.
وفي الحديث: «المسلممن سلم المسلمون من لسانه ويده»، عفا الله عنا وعن جميع المسلمين، وسامحنا اللهوسامح كل المؤمنين.
اللهم أغفر لكاتب الموضوع وناقله وقارئه آمين
الخميس أغسطس 24, 2017 7:26 am من طرف بدويه
» اية رأيكم لو نأخذ بعض الدروس من الاطفال !!!
الخميس أغسطس 24, 2017 7:20 am من طرف بدويه
» مرة أخرى: لا تستهينوا بأعراض المسلمين
الخميس أغسطس 24, 2017 7:19 am من طرف بدويه
» اجر الصابرين فى الدنيا والاخره
الخميس أغسطس 24, 2017 7:18 am من طرف بدويه
» ذُنوْبٌ وَمَعْآصِي أثقَلتْ وَاللهِ ظَهري ْ ~
الخميس أغسطس 24, 2017 7:16 am من طرف بدويه
» كل مالدي سيكتب هنا
الخميس مارس 30, 2017 7:14 am من طرف ساكن القلب
» اتحداك توصل لـ 20 ولا احد يقطع عليك متجدد >5<
الأربعاء يناير 06, 2016 6:50 am من طرف ساكن القلب
» جامعة المدينة العالمية [MEDIU]
الخميس يوليو 23, 2015 3:49 pm من طرف abomaryam6
» جامعة المدينة العالمية [MEDIU]
الخميس يوليو 23, 2015 3:48 pm من طرف abomaryam6
» جامعة المدينة العالمية [MEDIU]
الخميس يوليو 23, 2015 3:47 pm من طرف abomaryam6
» جامعة المدينة العالمية [MEDIU]
الخميس يوليو 23, 2015 3:46 pm من طرف abomaryam6